متاهه مشاعر بقلم نهى طلبه

موقع أيام نيوز

البارد وهو يردد بداخله.. أنه يجب أن يبتعد عن علياء للأبد.. لقد كان على وشك تدميرها.. لو تأخر رنين الهاتف لثوان لكان وصل إلى مرحلة اللاعودة.. لن ينفرد بها أبدا بعد الآن.. سيذهب بها إلى المزرعة ويبقيها هناك حتى يقضي على افتتانه بها تماما.. البعد كفيل بالقضاء على ذلك الإنجذاب.. لا يجب عليه رؤيتها أو محادثتها على الأقل حتى يتمم زواجه بريناد..
عاد إلى الغرفة بعد أن جفف شعره ولكنه كان مازال يلهث متأثرا بوجودها بين ذراعيه.. ولم يساعده اطلاقا رؤيتها منكمشة على الأريكة وهي تحتضن جسدها الذي كان ينتفض بشدة..
حاول إجلاء صوته ليقول أي شيء لها لكنه لم يستطع مواجهة عينيها الحائرتين وقد لمعت زرقتهما بشدة.. 
..
تعالى رنين هاتفه مرة أخرى لينقذها منه قبل يضع أفكاره حيز التنفيذ.. فتناوله ليجد أن المتصل كان مازن.. فرد بهدوء ليخبره أنه قام بايصال علياء إلى المزرعة وسيعود للقائه هو وحسن بعد ساعتين في مطعم النادي..
أغلق الخط والټفت نحو الباب وهو يخبرها بدون أن يلتفت إليها
يلا يا علياء هوصلك المزرعة..
جلس عم نصر على أحد المقاهي الشعبية مع مجموعة من أصدقائه وأهل منطقته.. عندما وجد من يربت على كتفه
مساء الخير يا عم نصر..
رفع نصر عينيه بتوقع ليواجه عيني حسن وبرفقته مازن.. فابتسم لهما محييا
اتفضلوا يا بهوات.. نورتونا والله..
ربت حسن على كتفه
المكان منور بأهله يا عم نصر.. بس أنا كنت عايز أعزم نفسي على كوباية شاي عندك في البيت..
نهض نصر من فوق كرسيه وهو يشير إلى حسن ومازن ليتقدماه ويقول لهما بترحيب
يا ألف أهلا وسهلا.. ده احنا يزيدنا شرف..
تحركوا معا حتى وصلوا إلى منزل نصر... وهنا طلب منه حسن أن يسبقهما حتى لا يدخلا على أهل البيت بدون استئذان.. فشكره نصر ممتنا له ومقدرا تصرفه..
جلس الرجال الثلاث في غرفة الضيوف والتي رغم بساطتها وقدم أثاثها إلا أنها كانت غاية في الدفء والحميمية.. يشعر أنها تشبه منى في بساطتها وأصالتها بنفس الوقت..
منى التي عانت بسببه أقسى معاناة.. وتسببت لها نيرة بإهانة جسيمة تكاد تبلغ مقام الچريمة في نظره.. لا يدري كيف تمالك أعصابه حين قص عليه يزيد ما قامت به نيرة نحو منى.. لولا أن يزيد استطاع تكبيله حرفيا لتوجه من فوره إلى نيرة ليرد لها الإهانة مضاعفة مغامرا بخسارة كل شيء.. ولم تهدئ ثائرته إلا بحضور مازن الذي اقترح عليه أن يذهب لوالد منى ويطلبها رسميا بدلا من الذهاب إلى نيرة وتحطيم الخطة التي أوشكت على بلوغ هدفها..
وهذا ما فعله ويفعله على مدى خمسة أيام كاملة.. يذهب لوالد منى في كل مكان يعلم بتواجده به... ويطلب يد منى للزواج.. ويقابله عم نصر برفض محرج.. فهو يعلم علم اليقين.. رفض حاتم العدوي لهذا الزواج.. وهو لن يزوج ابنته لعائلة لا تريدها فردا منها..
واستمر حسن في الطلب ودأب نصر على الرفض..
حتى اصطحب حسن مازن معه وقرر الذهاب إلى منزل منى.. وبداخله أمل خفي أن تقف بصفه.. وتنفذ وعدها بأن تسانده بكل قوتها وحبها.. يخشى فقط أن يكون لتصرف نيرة الأحمق تأثير عكسي على منى.. وترفض الزواج منه إلى الأبد..
خرج حسن من تأملاته على دخول أمل الشقيقة الصغرى لمنى وهي تحمل صينية معدنية رص فوقها ثلاثة أكواب من الشاي وطبق به عدة قطع من الكيك الشهي..
ابتسم لها مازن بطيبة
تسلم ايديكي يا أمل..
وضعت الصغيرة الصينية وركضت مسرعة في خجل.. بينما الټفت حسن إلى نصر
أنا جاي النهارده يا عمي.. ومش هتحرك قبل ما أقنع حضرتك بالموافقة..
ابتسم نصر بمودة
يا بني.. أنا متأكد أنك شاري بنتي.. وشاري خاطرها.. وإذا كان على اللي حصل لها من الآنسة نيرة..
قاطعه حسن
يا عمي.. أنا ما يهمنيش غير منى.. نيرة كل علاقة لي بها هتنتهي بكره.. وده رسمي وقدام الناس.. لكن أنا بيني وبين ربنا عمري ما فكرت في نيرة أنها شريكة حياتي..
رد نصر باحراج
يا حسن دي حاجة تخصك أنت والآنسة نيرة..
يا عمي.. أرجوك اسمعني.. أنا كل اللي أتمناه من دنيتي.. أن منى تكون مراتي.. أنا عارف وجه اعتراض حضرتك.. وهو عدم موافقة والدي.. بس ده شيء خارج عن إرادتي.. اعتراض بابا بس عشان التجارة والشراكة.. لكن ده كله مش هيتأثر إن شاء الله.. وأنا كفيل بموافقته بعد كده.. بس أرجوك اعطني كلمة بالموافقة..
أطرق نصر في حيرة.. حيرة أب بين الموافقة على شاب يجمع كل ما يطلبه الرجل في زوج ابنته.. وبين ما قد تلاقيه تلك الابنة الرقيقة من تعنت من والد الزوج القاسې..
أكمل حسن وقد استشعر أن نصر بدأ يلين قليلا
أنا مش عايزك تقلق على منى.. منى كرامتها هي كرامتي.. ما حدش هيقدر يدوس لها على طرف وهي مراتي.. أنا كان ممكن انتظر لحد ما أنهي ارتباطي بنيرة نهائي.. لكن اللي حصل منها ناحية منى هو اللي خلاني آجي لحضرتك مرة واتنين..
قاطعه نصر بابتسامة
اتنين بس قول وعشرة وعشرين..
أكمل حسن
ومستعد آجي ألف.. ألفين .. حتى مليون مرة بس منى تكون ليا..
كانت منى تستمع إلى الحوار الدائر بين حسن وأبيها _اللذان يتكلمان بصوت مسموع_ وهي جالسة في غرفة المعيشة.. تتأمل عدد مرات الاتصال والرسائل التي حاول حسن عن طريقها الوصول إليها منذ ذلك اليوم المشئوم الذي أهانتها به نيرة..
وصلها صوت حسن الدافيء وهو يتوسل والدها الموافقة.. وشعرت بميل والدها لذلك ولكن الأصول والعادات
كانت تقف كعائق أمامه.. فكرت سريعا فيما يحاوله حسن من أجلها.. من أجل أن يكونا معا..
أنه يعشقها منذ سنوات.. صرح لها بحبه ونيته في جعلها زوجة له منذ أن فكت ضفائرها ووخطت أعتاب الأنوثة.. كان واضحا وصريحا.. لم يتلاعب بها أو يخدعها.. حتى خطبته لنيرة وضح لها أسبابها.. ولم يوفر جهدا للتخلص منها..
وجدت نفسها تتساءل.. ماذا فعلت هي من أجله.. أنها تحبه.. لا شك.. ولكن ماذا فعلت ليتوج هذا الحب ويقدس بالزواج..
تحركت تلقائيا نحو غرفة الضيوف وسمعت والدها يخبر حسن بتردد
بص يا بني.. ما فيش أب في الدنيا ما يتمناش شاب زيك يكون زوج لبنته.. بس عدم موافقة أبوك..
قاطعه مازن تلك المرة
يا عمي.. والدي في النهاية أب.. وأكيد لما يشوف سعادة حسن ومنى هيوافق.. هو بس عنيد حبتين.. لكن أنا أهوه كأخ لحسن يشرفني أن تكون منى مرات أخويا وأخت ليا.. حتى جدتي.. لو كانت تقدر تيجي كانت جت معانا.. ثواني هتصل بيها على التليفون..
اتصل مازن على جدته السيدة روح _والدة أبيه_.. والتي لها في قلوب ونفوس الجميع مقام كبير.. ويعرفها نصر منذ أن كان طفلا وكان والده هو السائق الخاص بها..
ردت السيدة روح على الفور وكأنها كانت بانتظار الاتصال.. فأعطى مازن الهاتف لنصر.. وعلى الفور انطلقت السيدة روح في الكلام
ازيك يا نصر وإيه أخبار ولادك..
أجاب نصر باحترام
إحنا بخير.. حسك في الدنيا يا روح هانم.
ضحكت السيدة بتساهل
إيه هانم دي!.. هو احنا لسه هعرفك ولا ايه يا نصر!!..
تنحنح نصر بحرج
بس.. أصل..
قاطعته بحزم مصطنع
لا بس ولا أصل.. أنا اللي بطلب منك.. بنتك لحفيدي.. وأنت عارف لو كنت أقدر.. كنت جيت بنفسي.. أنا مش هلاقي لحسن زوجة زي منى.. أنا عارفاك وعارفها كويس.. واللي حصل من حاتم ده أنا ما عرفتش به إلا لما رجعت من الحج.. لكن ملحوقة.. والغلط مردود.. وحسن عارف ازاي هيصلح غلطه.. نرجع بقى.. للموضوع الأساسي.. امتى الفرح..
ضحك نصر بحرج
فرح مرة واحدة!!.. طب مش لما أعرف رأي البنت..
في تلك اللحظة دخلت منى إلى غرفة الضيوف وهي تنظر إلى الجميع وأخيرا سقطت عيناها على والدها لتخفض نظراتها أرضا وتقول بصوت خاڤت ولكن واثق
أنا موافقة يا بابا.. بعد موافقة حضرتك طبعا..
شعر حسن بعد كلمات منى الخجولة بحمل كبير ينزاح من على كتفيه.. فيكفيه أن يشعر بدعمها ومؤازرتها له.. ابتسم لها في سعادة بينما توردت وجنتاها بقوة ولم تعرف كيف واتتها الجرأة لتقوم بذلك.. فركضت هاربة إلى غرفتها.. يراقبها والدها بغرابة.. لا يدري تصرفها نابع من رغبة في الاڼتقام أم رغبة للمواجهة مع الجميع..
سمع صوت روح على الهاتف
خلاص يا نصر.. البنت وافقت.. أنا سمعت موافقتها.. خلي أم منى تسمعنا زغروطة..
أجاب نصر بحرج ولكن بحسم أيضا
حسن قالي أنه هينهي ارتباطه مع الآنسة نيرة بكره.. يبقى نأجل الزغاريط لبكره إن شاء الله..
أجابته السيدة روح بتقدير
وده حقك يا بني.. مبروك علينا منى...
أغلق نصر الخط والټفت لحسن قائلا
أنا مش هقدر أقول حاجة بعد كلام الست روح.. وبنتي أمانة في رقبتك يا حسن..
أجابه حسن
اطمن يا عمي.. منى في عينيا...
تحرك حسن بخطوات واثقة نحو يزيد الذي وقف في أحد الأركان يتابع تحركات ريناد النشيطة وهي تضع آخر لماساتها ليخرج الحفل _الذي أراده حسن وطلب من ريناد مساعدته_ في أروع صورة..
وكان حسن محقا في اختيار ريناد لمساعدته.. فهي اختارت أرقي قاعة في أغلى فنادق المدينة.. وبدأت في إعادة ديكورها حسب ما رأته مناسب.. حيث أخبرها حسن أنه يقيم حفلا مفاجئا لنيرة بمناسبة مرور شهرين على ارتباطهما..
ورغم أنها لا تطيق نيرة نهائيا لكنها لم تستطع مقاومة فكرة أن تكون مسئولة عن الحفل وأن تخرجه في النهاية بصورة أفضل من حفل الخطبة الأصلي الذي تولت نيرة تنظيمه..
طلبت من حسن إطلاق يدها لتفعل ما تشاء وهو لم يعترض لكنه وضع لها أسبوعا واحدا لتنتهي من تجهيز الحفل.. فانطلقت تصل الليل بالنهار لتنتهي قبل الموعد المحدد.. غيرت الستائر وبدلتها بأخرى من الحرير النبيذي اللون.. والذي استخدمته أيضا كمفارش للموائد.. بدلت السجاد.. وألوان الأبواب والنوافذ.. لم تهتم بسخرية يزيد وهو يخبرها..
أنت عارفة أنه القاعة ملك للفندق.. يعني مش أوضة الصالون في بيتنا ولا حاجة..
اختارت نظام الإضاءة والصوت.. تعاقدت مع أشهر دي جي.
ولم يمانع حسن.. فقط أخبرها بطلب واحد
عايز كل أصحاب ومعارف نيرة يكونوا موجودين.. حتى أصحاب أصحابها.. أي حد يعرفها يكون موجود.. آه.. كمان الأغنية اللي هندخل عليها تكون أغنية......................
رغم ذهول ريناد إلا أنها نفذت ما اتفقا عليه وأبدعت ريناد في اخراج حفل من الأحلام.. وهو ما عبر عنه حسن ليزيد
والله برافو عليها ريناد.. الحفلة رائعة..
هز يزيد رأسه باستخفاف وأجاب بكلمة واحدة
بيرفكت..
رمقه حسن بتعجب فحاول يزيد تغيير الموضوع
ما تاخدش في بالك... المهم أنت مظبط أمورك تمام.. اتفقت مع والد منى..
زفر حسن بقوة
ياااه يا يزيد.. أسبوع أهوه وأنا رايح جاي عليه.. بروح له في اليوم يمكن أكتر من خمس مرات.. فهمته كل الوضع.. حتى كشفت له عن مشاعري أنا ومنى.. وهو في قمة العناد.. ورافض تماما ارتباطي بمنى.. امبارح أخدت معايا مازن.. وكمان خليت جدتي تتدخل.. رغم أني كنت عايزها تبقى بره
تم نسخ الرابط