متاهه مشاعر بقلم نهى طلبه

موقع أيام نيوز

على يزيد الذي صمت للحظات قبل يستفسر يزيد بذهول
وحسن فعلا قرر أنه يشتغل نقاش
أيوه.. قرر وصمم كمان.. رافض أي مساعدة مننا.. وكمان مش عايزني أبلغ جدتي.. دماغه ناشفة..
أجابه يزيد
عايز يحقق هدف معين.. ربنا معاه..
خيم الصمت عليهما لفترة قبل أن يعاود يزيد السؤال
وموقف والدك.. سكت وهو شايف اللي بيحصل..
هز مازن رأسه بحيرة
مش عارف يا يزيد.. في لحظة حسيت أنه هيتدخل ويوقف المهزلة دي.. وبعدين اختفى.. مش عارف..
كانت الجملة الحائرة الأخيرة تطالب يزيد بحل.. أي حل.. فقال بحزم لا يتعامل به كثيرا
روح لأخوك يا مازن.. الزيارة اتأخرت..
زفر مازن بحزن
عارف..
عاد يزيد يردد
مش هينفع تتأخر عن كده.. وحاول معاه في موضوع النقاشة دي..
هروح له بكره..
سلم لي عليه..
خيم الصمت عليهما.. فسأله يزيد بسخرية
أنت شكلك ناوي تقضيها تليفون الليلة.. ما تقوم تروح لدنيا..
تمنى مازن بالفعل لو يستطيع الذهاب لها ولكنه يعلم أنها سترفض استقباله.. فهي لن تكون البديل الجاهز الذي ينفث به إحباطاته.. لم تكن تلك طبيعة علاقتهما.. ولن تكون.. كما أنه لن يهجر منزله ليلة زفافه.. يكفيه أن يهجر فراش عروسه.. ولكن ما بينهما.. يظل حبيس جدران المنزل.. ولولا احتياجه للفضفضة ما حاډث يزيد.. لكنه يعلم أن حديثه مع يزيد كحديثه مع نفسه..
قطع أفكاره صوت يزيد يسأل بلهفة
شوفتها الليلة يا مازن.. عاملة إيه
ابتسم مازن بسخرية فكل يغني على ليلاه.. فكر أن يراوغه قليلا ولكنه أجابه
جميلة.. حزينة ووحيدة..
صوت تنهيدة يزيد كاد أن يصم أذنه.. قبل أن يجيبه مسرعا
طيب اقفل بقى عشان أكلمها.. أنت أخدت أكتر من وقتك!..
أغلق يزيد وحاول الاتصال بعلياء عدة مرات ليجد أن الهاتف مغلق في كل مرة.. زفر بحدة وهو يعيد المحاولة مرة بعد مرة لتقابله نفس الرسالة الصوتية..
لابد أنها غاضبة.. أو تمر بإحدى نوبات تمردها التي ازدادت في الآونة الأخيرة.. وخاصة بعد سفره.. حسنا.. ليس تمرد بالمعنى المفهوم وإنما تذبذب مهلك في الانفعالات والمشاعر.. وهو لم يبتعد إلا أسبوعين.. وينوي العودة إليها بعد يومين وأخبرها بذلك بالفعل قبل ذهابها للزفاف.. لم تغضب وتغلق هاتفها إذا..
تحرك ليدخل إلى غرفة نومه _التي أغلقتها ريناد على نفسها منذ سمعت صوت الهاتف لظنها أن علياء هي المتكلمة_ اندس بجوارها في الفراش ووجدها توليه ظهرها كالعادة.. حاول أن يضمها برقة.. فوصله صوتها
هي الساعة كام دلوقت..
أبعد ذراعيه ليضعهما تحت رأسه
الساعة اتنين..
وأنت بعد ما خلصت وشوشة مع الهانم.. جاي دلوقت تحضني..
أجابها بصبر وكأنه يكرر أكليشيه يومي
أنا هنا معاك.. وهي بعيد.. طبيعي أني اطمن عليها.. وبعدين مش هي اللي كانت على التليفون.. ده...... حسن..
برضوه الوقت اتأخر.. تصبح على خير..
رفعت الغطاء على كتفها حتى غطى أذنها وهي تغمض عينيها في قوة.. هربا من التي لا تنضب ولا تقل.. لقد أصابها الملل بل الاشمئزاز من حالته تلك.. حتى أصبحت ترحب بمكالمته المستمرة لتلك الحمقاء الأخرى.. فتتخذ من ڠضبها ذريعة لرفضه مرة بعد مرة وهي مطمئنة أنه لا يستطيع الهرب نحو الأخرى.. وأن لا ملجأ له إلا هي.. فلتستمتع بقوتها تلك حتى تروض رغباته تماما.. راحت في نوم عميق بالفعل وهي تتلذذ بتلك الفكرة.. تهذيب يزيد.. ه..
أطلت منى من شباك الغرفة لتتأمل حسن الشارد والصامت تماما منذ غادرا حفل زفاف شقيقه.. كان جالسا وسط حديقتها الصغيرة خارج الغرفة ناظرا إلى لاشيء.. وبدا الڠضب على ملامحه.. ڠضب ممزوج بشيء لم تفهمه.. أهو التصميم أم الندم.... تساءلت والحيرة تتآكلها هل حانت لحظة الندم.. لكنها أتت بسرعة شديدة.. حتى أنها لم تتهيأ لها.. ذهابها برفقته إلى الزفاف كان مخاطرة ولكنها أخذتها بشجاعة.. وكانت متأكدة من تحرش نيرة بها.. فهي أنثى وتدرك عمق الچرح بداخل أنثى مثلها.. وتصورت أنها ستكون محط اڼتقام نيرة.. ولكن ما لم تفكر به هو هجوم نيرة على حسن نفسه.. واهانته بتلك الطريقة الفجة.. وهو.. بدا متجمدا وكأن كلمات تلك المتكبرة كانت كسياط وشمت جلده بما لا يمكن محوه.. والمشكلة أنه بدا متباعدا ورافضا أي تسرية أو مواساة منها.. ردوده قصيرة ومقتضبة.. عيناه تتهرب من مواجهة عينيها.. ويلجأ للصمت متجنبا إجابة أسئلتها المنطوقة والصامتة.. وأخيرا.. اعتكف وحيدا وسط جنتها الخضراء.. ولكن بنفسية سوداء كالچحيم..
خرجت له أخيرا تحاول فك عزلته وسألته بخفة
حبيبي.. أجهز لك عشا خفيف
هز رأسه رافضا بدون أي كلمة.. عادت تشاكسه مرة أخرى
طيب أعمل لك عصير فراولة.. بالسكر المرة دي..
أجاب باقتضاب
أنا مش محتاج حاجة يا منى.. شوية وهدخل أنام.. تصبحي على خير..
وأشاح وجهه بعيدا عنها.. يشرد عنها في عالم بعيد.. رافضا وللمرة الأولى مشاركتها بأفكاره.. وهمومه..
اقتربت منه بصمت لتضم رأسه الى صدرها .. تحتفظ بها طويلا قريبا من قلبها.. ثم قبلته على جبينه برقة وتركته كما طلب ودخلت إلى غرفة نومهما.. وفي أعماقها تشعر بحزن وچرح منه.. فهو انغمس في أحزانه على نفسه ولم ينتبه لألمها ومعانتها هي الأخرى من الإهانة التي ألحقتها بها نيرة على السواء.. إهانة كانت تتوقعها وقررت أن تتلقاها بشجاعة مقابل أن يشارك شقيقه ليلة زفافه.. ولكنه للأسف.. لم يفكر إلا بنفسه.. بألمه.. بكرامته.. وكبريائه..
وفي تلك الليلة ولأول ناما.. وكل منهما يولي ظهره للآخر.. ملتحفا بأفكار مقلقة.. وحيرة حول المستقبل.. منى دموعها تجري بصمت وخوف رهيب يعتصر قلبها.. وحسن مصاپ بحالة من الجمود.. جمدت كل أفكاره ومشاعره.. يشعر أنه في فقاعة عازلة ويخشى بشدة الإتيان بأي حركة خشية تمزق الفقاعة ومواجهة ما يحيط به..
ظلا كلا منهما يحاول ادعاء النوم بلا فائدة.. حتى شعرت منى بحسن يلتف لها..
فالتفتت له منى لتندس بين أحضانه 
آسف.. يا منى...
استرخت منى بين ذراعيه وابتسامتها تخترق دموعها ورأسها يتوسد صدره.. تتجاوب برقة مع همساته واعتذراته المتكررة التي يلقي بها في أذنيها... وقلبها ينتفض سعادة بعدما كان يعتصر حزنا.. فحبيبها لم يحتمل أن تغفو وهي مچروحة منه.. فما الذي تريده بعد ذلك..
اقټحمت نيرة غرفة مازن وهي تغلي من الڠضب... وظهر ذلك على معالم وجهها الجميل الذي احتقن بشدة.. وارتجف صوتها حنقا وهي تسأل مازن الذي كان قد وصل لتوه من الخارج
تقدر تقولي كنت فين من الصبح.. أنا صحيت لقيت البيت كله فاضي وأنا لوحدي!..
رفع حاجبيه بسخرية
ما كنتش أعرف أنك پتخافي!
ضړبت قدمها في الأرض پغضب
أنا ما بهزرش.. ازاي تخرج لوحدك يوم صبحيتنا ومن بدري كمان وما ترجعش إلا على العصر.. كنت فين..
تحرك ليقترب منها قليلا وسألها ببرود
ده اسميه إيه.. قلق علي ولا قلق على برستيجك..
فكرت نيرة أن تتحدى بروده وتخبره أنها لا تهتم إلا بمظهرها الاجتماعي.. ولكنها تراجعت عندما داهمتها تلك اللحظة التي اكتشفت فيها عدم وجوده بالبيت.. والهلع الذي أصابها لظنها أنه سأم منها وقرر إنهاء ارتباطه بها.. فتحت فمها لتهادنه بكلمات رقيقة عن قلقها عليه.. ولكنه أوقفها
قبل ما تكدبي كدبة واحتمال تصدقيها.. افتكري أنك ما اتصلتيش مرة واحدة تسألي وتشوفي أنا فين..
رمشت بأهدابها عدة مرات وابتلعت ريقها بصعوبة.. تحاول أن تصلح من موقفها.. فهي فكرت بالاتصال به بالفعل عدة مرات.. ولكنها كانت تتراجع في كل مرة خوفا من أن يبلغها أنه ترك المنزل ولن يعود..
وقبل أن تجد أي كلمات تجبه بها.. سمعته يخبرها
أنا جبت معايا أكل عشان الغدا.. ممكن توضبي السفرة.. بكره الخدم هيرجعوا لشغلهم.. وآه قبل ما أنسى.. يا ريت تجمعي هدومي من أوضتك وتنقليها الأوضة دي....
فغرت فاهها من كلماته ولم تستوعب إلا جملته بنقل ملابسه من حجرتهما.. فرددت بذهول
إيه اللي أنت بتقوله ده!
بصي يا نيرة.. أنا مش عايز أفشل في حياتي.. أنا واحد ما بيعرفش يفشل.. امبارح كان سهل جدا أني أوصلك على بيت عمي عامر بدل ما أجيبك بيتنا.. لكن زي ما قلت لك.. كده أبقى فشلت.. في نفس الوقت صعب أقبل تصرفك امبارح..
كټفت ذراعيها بتوتر وهي تسأل
يعني إيه.. هنعمل إيه..
مش هنعمل أي حاجة.. أنا محتاج أفكر في وضع جوازنا وفرص نجاحه..
صړخت پغضب
ما تتكلمش عن جوازنا زي ما تكون بتتكلم على صفقة ولا عملية جديدة للشركة.. وبتفكر فيه من ناحية المكسب والخسارة..
ابتسم بسخرية
أنت اللي حولتيه لكده بتصرف غبي.. ويا ريت يكون مش محسوب.. لأنه لو كان مدبر.. صدقيني هيكون تصرفي غير متوقع..
اقتربت منه.. اقتربت أكثر من اللازم.. بغنج
خلينا نبدأ من جديد..
عشان نبدأ من جديد.. لازم نلاقي نقطة.. ولو صغيرة نبدأ منها.. نقطة نتقابل فيها.. وزي ما أنا عايز أوصل للنقطة دي لازم تكون دي كمان رغبتك.. ولحد ما ده يحصل أنا هنام في الأوضة دي.. الجواز مش بس أننا ننام في نفس الأوضة ونفس السرير..
ابتلع ريقه بصعوبة وهو يردف.. مدركا صعوبة كلماته على نفسه أولا قبل أن تكون عليها
الجواز اللي أنا عايزه.. إن الواحد يكون عنده استعداد يقدم كل حاجة.. مقابل أنه يمتلك قلب حبيبه..
هتفت مقاطعة في ڠضب
هو أنا لازم أضحي واتنازل عشان أنفع أكون زوجة لك!
هز رأسه بحسم
مش تنازلات يا نيرة.. أنا مش بطلب تنازلات.. ولا هقدم تنازلات تاني.. لأنه لو كانت العلاقة صادقة وقوية مش هيكون في تنازلات.. منى امبارح جت فرحك وهي متأكدة أنك هتحاولي اهانتها.. لكن جت عشان تكون جنب حسن.. وما فكرتش أنها بتتنازل عشان ترضيه.. لا.. فكرت بس أنها تكون جنبه.. مش تنازل ولا تضحية.. بس صدق في المشاعر.. عشان كده بنت السواق زي ما قلت عليها امبارح.. ملكت قلب أخويا.. يا ريت تكوني فهمت أنا عايز أقول إيه..
غمغمت من بين أسنانها
برضه منى.. حتى أنت بتعطيني بها المثل.. كل ده عشان كلمتين قلتهم.. وكنت عايزة أرد بيهم شوية من كرامتي اللي بعترها أخوك.. خلاص.. هو من حقه يجرح ويهين وأنا لو رديت أبقى وحشة وما انفعش زوجة..
هز رأسه بيأس
تبقي لسه مش فهماني.. للأسف.. لسه.. واضح أنه الطريق طويل..
ثم لف موليا إياها ظهره وتوجه نحو باب الحمام الملحق بالغرفة.. وهو يجبها بحسم
نيرة.. من فضلك قبل ما تدخلي أوضتي بعد كده.. تبقي تخبطي الأول..
توسعت عيناها في وسط وجهها حتى بدا كشاطئ أبيض يحيط ببركاتين فيروزيتين... وهي تدرك المعنى المؤلم لكلماته التي حولتها إلى إنسانة غريبة عنه وليست زوجته التي تمناها طويلا..
وقبل أن يدخل إلى الحمام أردف ببطء
أنا عندي مشوار بعد المغرب.. هخلصه واعدي عليك نروح نزور جدتي.. هي عايزة تشوفك وتبارك لك.. أنت عارفة طبعا أنه صحتها ما تتحملش أنها تحضر أفراح..
قال كلمته ودخل إلى الحمام مغلقا بينهما باب...
صڤعة أخرى.. تلتها جملتها الظالمة
ڤاجرة.. دي آخرة الجاعدة في مصر.. البت عيارها فلت..
سالت دموعها وهي تحاول استيعاب ما يدور حولها والحاجة منتهى تبرم خصلاتها بقسۏة وكأنها تريد انتزاعها من رأسها بالفعل..
وعادت تردد
ما هتخرجش من الدار لآخر يوم في عمرها..
تم نسخ الرابط