لعبه بلا نهايه بقلم يسرا مسعد
لعبة عاشق بقلم يسرا مسعد الجزء الأول
رن الهاتف للمرة الثالثة على التوالي وكان عازما على تجاهله ولكنه بدا وكأنه مصر على المضي قدما بمحاولة إيقاظه تأفف ونظر للفراش الفارغ جواره وقام واتكأ على مرفقه ثم تناول الهاتف فرأى اسم أخيه أسامه يلمع في ظلام الغرفة وأتاه صوته مستجيرا
.. جاسر ألحقني
وانقطع الاتصال
هب من فراشه وحاول الإتصال بأخيه مرة أخرى ولكن ما من جيب فقام وارتدى ملابسه التي ألقاها منذ ثلاث ساعات فقط على الأريكة المقابلة للفراش على عجالة
.. الحاډث قضاء وقدر..قدر الله وماشاء فعل
كلمات تنصب على أذنيه من وقت لاخر وكلها تدور حول معنى واحد ما فقد قد فقد ولا مجال لاستعادته ولكنه كان المخطىء هو المسئول هو من تسبب بفقدان زوجته الشابة لحياتها وهو من أطفأ برعونته نور الحياة في أعين صغيرته الوحيدة هو من كان يقود تلك السيارة في الظلام الدامس وهو الذي غفا على عجلة قيادتها ولسخرية الأقدار هو من استبقت أنفاسه الحياة
في الماضى كان سؤالا ضجرا لم يكن يستسيغة وأضحى اليوم تبرما لايطيقه نظر لها وقال ضائقا
.. أيوه يا آشري ورايا ..
لم تدعه يكمل حواره فلقد ضاقت بذرائعه التي لا تنتهي فقالت
.. كفاية يا زياد كفاية كدب ..أوكيه رايح تسهر بالسلامة بس ابقى افتكر تسأل على أخوك
زم شفتيه ساخرا وهو ينصرف
.. أنهي فيهم !
.. آلو آشري
تنهدت بقنوط فهي لم تكن في مزاج يسمح لسماع سيل الشكاوى الذي لايتوقف من فمها منذ أن أجبرها زوجها على الإنتقال للعيش برفقة .. سوسن خانون..كما كانتا تدعونها سرا فقالت بتعب
.. أزيك سالي هاو أر يو
.. أنا كويسةأنت عاملة إيه بقالي أسبوع مسمعتش صوتك
.. كنت مسافرة برة كان عندي شغل
.. أنت إيه أخبارك
اختنق صوتها بالعبرات واندفعت الكلمات من حلقها ولكنها توقفت عند حافة شفتيها ليخرج اسمه معلنا أنه المسئول الأول والأخير عن عڈاب صاحبته
.. جاسر بالطبع جاسر فالبداية جاسر والنهاية أيضا جاسر ومابينهما جاسر وخيوط تلك الدمية معلقة بكف جاسر وبين أناملة تقبع وتنتظر إشارة من جاسر وفعليا لم تعد قادرة على تحمل المزيد من الشكوى والثرثرة وإسداء النصح لمن لا تتحرك إلا بهوى وأمر من جاسر
.. مبدئيا سالي قولتلك ألف مرة متبتديش كلامك بجاسر أبدا...قولى ورايا أنا سالي
همهمت پبكاء وأطاعتها
.. أنا سالي
.. مالك
سؤال آمر نافذ لكأنما تلقيه على أحد مرؤوسيها وهي حقا لا تهتم بالإجابة قدر إهتمامها بإنصياعه لأمرها تماما كجاسر
.. تعبت
همسة مقهورة لخصت سنوات عمرها الفائتة منذ رحيل والدها وتقدم والدتها بالعمر وعدم إحتمالها لأي أخبار سيئة عن زيجة ابنتيها ومؤخرا مرض حماتها الذي جعلها قعيدة للفراش متنمرة عليها بكل ساعات النهار والليل وعصبية زوجها وتحكماته التي كانت لاتنتهي حتى طالت نسمات الهواء التي تتنفسها
اقتراح ألقته على مسامعها بكل رقة افتقادها للأمومة ولطفل تحتضنه بين ذراعيها طوال سنوات زيجتها كان مؤلما للغاية ولكن سالي كانت تنجح في استثثار مشاعر الأمومة خاصتها وتستنزفها في كل مرة تطلب عونها باكية فقالت موافقة فى الحال
.. ماشي بس في معاد تدريب الولاد عشان...
فردت متبرمة
.. عارفة جاسر
مر شهران ولم يخرج من منزله بل لم يغادر حجرته تقريبا بنفس المنامة التى رآها عليه منذ أسبوع استطالت خصلات شعره حتى وصلت لأطراف كتفه وشعيرات ذقنه الخشنة قد غزت أطراف ياقته المتسخة جالسا تقريبا بنفس المكان الأريكة التي تتوسط الغرفة وخلفها يقبع الفراش الوحيد من متاع الغرفة الذي كان يحافظ على رونقه فصاحبه لا يمسه فشركيته تتوسد الثرى فكيف له أن يهنأ وحده بفراشهما..وقف أمامه وداخله شكا أن أخاه لايراه فقال مناديا
.. أسامة..أسامة
رفع رأسه وأجفل قائلا
.. جاسر أنت هنا من أمتى
اقترب منه وقال
.. أنت اللي هنا من امتى قوم معايا
وجذب يده ليقف أمامه ولكنه كان خائر القوى فكاد أن يسقط تمالك جاسر أعصابه وعضلاته ودفعه للوقوف مرة أخرى وقال
.. رجعت تاخد الزفت ده تاني
نظر له بتبلد وقال بابتسامة صفراء كأسنانه التي عرفت للتبغ وصبغته طريقا
.. آآه. بيريحني أوي
دفعه جاسر للخروج من الغرفة وسار به حتى وصل للدرجات الرخامية وقال
.. هتعرف تنزل ولا أسندك
الټفت له وقال
.. هنروح فين
نظر له وأدرك أنها قضية خاسرة وأن كل مايلزمه شلال ماء بارد يصبه على رأس أخيه وينتهي من أولى مشاكله وبالفعل قد كان وبعد ساعة زمنية كان قد جلس متوسطا بمقعده أرضية المطبخ بلونيها الأسود والأبيض وقد أمر جاسر الخادمة بإعداد فطورا لذاك الذي كان يبدو منقطعا عن الطعام منذ أيام فجلس يلوك قطعة الخبز ببطء فقال جاسر مشمئزا
.. وبعدين يا أسامة هتفضل كده لحد أمتى
رفع رأسه ومنحه نظرة خاوية جاسر أخيه الأكبر الواعظ الذي لايمل من تصحيح أوضاع الجميع حوله وفى كثير من الأحيان ليس صحيحا بالفعل ولكنه صحيحا بالقدر الذي يرضيه وقد ظهر اليوم ليملي عليه ما يتوجب عليه وعله عيناه كانت زائغة ولكن كلماته كانت مصممة على إصابة مستمعها بچروح نافذة
.. لما تبقى تخسر اللي أنا خسرته هتبقى
تعرف
لم تكن تلك عادته ولا تلك كلماته كانت نفسه الجريحة المحملة بمرارة الفقد من تتولى الرد على الجميع بقسۏة وله الحق كله فالۏجع كان لايحتمل والۏجع وحده من يتحدث فقد عائلته الصغيرة السعيدة وأخيه يسأله متى يعود لسابق عهده! عهده انتهى ومضى ولن يعود أبدا وليتهيأ الجميع لشخص جديد يتشارك معه فقط بالملامح القديمة حتى تلك قد يميحها فخصلات شعره التي قد استطالت أصبح يفكر جديا باستبقائها تمنحه مظهرا عابثا وهو الذي كان الرجل الجدي وسط أخواته طوال حياته كان ملتزما لم يعبث مع الفتيات ولم يبعث بالشرارات لقلوبهن أختار واحدة ومع ذلك حرمه القدر منها
.. أنت جيت أخيراكنت فين طول النهار
يقولون الرجل ظل أبيه ولكنه مرآة أمه خاصة عندما تكون إمرأة متسلطة ك سوسن خانون
أخذت نفسا عميقا ودفعت بالصغير سليم وابنتها الصغرى سلمى نحو الدرجات
.. حبايب ماما اطلعو فوق مع دادة نعمات
والتفتت لتلاقي مصيرها اليومي كلمات مهينة جارحة كانت تبتلعها في الماضى إرضاء لخاطر زوجها وحبيبها ولكنها باتت على وشك الانفجار فعندما تقد التضحيات واحدة تلو الأخرىولا تنتظر مقابلا بالشكر والعرفانمن الغباء أن تتوقع أن يستمر الآخرون بتقدير تضحياتك وما تلاقيه نفسك من مرارة وعذاب تحت وطأة الټضحية ببساطه اصبح واجبا عليها بل وأصبحت تتلقى التقريع إن قصرت أو تخاذلت عن القيام به! استعانت بالملائكة كي تقدم ردا هادئا فالشيطان الآن لا سبيل له. .وبابتسامة هادئة أجابت
.. كنت في النادي الولاد كان عندهم تدريب
ولكن الشيطان كان يقف بسبيل سالي وملامحها الملائكية المتغضنة فردت الآخرى صاړخة بها
.. تانى مرة إياك تخرجي قبل ماتستأذني مني
عقدت حاجبيها واستعر الڠضب بجوانحها في الماضي كانت تندفع بكلمات هوجاء ولكن حتى هذا الاندفاع فقدته في خضم الكثير الذي عانته فالكلمات ټخونها والأنفاس تختنق داخل رئتيها والصمت رفيق إجبارى والدموع ترافقها حتى الفراش الذي كانت تهجره من حين لاخر كنوع من الاعتراض على الصمت المزرى الذي لاتطيق سواه ويرضاه زوجها بل وأصبح يطالب به ولكن فاض الكيل واندفعت الكلمات الحمقاء من فاها غير مترددة
.. أنا مش شغالة عندك يا سوسن خانون ولا أنت هتتحكمي فيا وتقوليلي أعمل ايه ومعملش ايه.
وجاءها الرد حاسما وسريعا ولكن لم تكن شفتي الخانون من افترت عنه بل كان صوته يأمرها بكل جلف وقسۏة
.. بس هتعملي اللي بقولك عليه وتطلعي حالا فوق على أوضتك
التفتت إليه وقد اغروقت عيناها بفيضان من الدموع الحاړقة أهكذا أصبح يعاملها تحت مرأى ومسمع الجميع يأمرها بالإنصراف لغرفتها كطفلة مشاكسة ! وكأنها هي المخطئة تسارعت خطواتها وتسابقت العبرات الهاربة من جفونها بإنهيار مزر جعلها حتى تخطىء الدرجات وتسقط تحت قدميه لم تكن لمسته الحانية من شدت أزرها لتكمل طريقها صعودا بل لم تكن هناك لمسة بالأساس دفعت بجسدها الذي فقد قدرا يسيرا من رشاقته وازدان ببضعة كيلو جرامات إضافية يصل عددها للعشرون أو ما يقرب نحو الأعلى الټفت لأمه القعيدة والتي كان يعلو ملامحها الإمتعاض التام وهي تقول
.. كويس إنك جيت عشان تشوف بترد عليا إزاى!
دفع بقدر من تيار الهواء الساخن المحتقن بصدره وهو يتقدم من أمه قائلا
.. بس دي كمان مش طريقة تتعاملى بيها معاها
رفعت ذقنها بشموخ قائلة بسخرية مزدرية
.. وأنت فاكر شجرة الجميز دي بتحس أنا القلق كان هيموتني على الولاد .
قال كل ده في النادى اعترض قائلا
.. ماما من فضلك متنسيش أن سالي مراتي
أشاحت بيدها بإشمثزاز
.. فخور أوي حضرتك أنت بقيت تتكسف تخرج معاها كل الحفلات وكل الميتنج اللي بتعملها مع الناس المهمة فى البلد تعملها لوحدك من غيرها
يعلم جيدا أنها تخبره الحقيقة التي ظن أن لا أحد قد يصل إليها تغيرت زوجته الجميلة وأصبحت امراة منزوية تحيا هامش الحياة وليس الحياة ذاتها حتى أنها مؤخرا كفت عن التبرم والتذرع بالأسباب لتحصل على ماهو حقها أو ماهو ليس بملك لها عقد حاجبيه وأخبرها أن ما تقوله ليس له أساس من الصحة ومضى للأعلى يرفض التفكيير فى معضلة حياته التي لن تنتهى أمه وزوجته المصونة والتي أختارت لليوم العاشر على التوالي هجر غرفتهما وفراشهما ظن أنه سيكف عن العد فى كل مرة تهجر فيها الفراش ولكنه كان مخطئا خلع ملابسه واغتسل واختار أن يفض الڼزاع فهذا خيار لامفر لها ليس لأنه يرجو صفحها ولكن لأن واجبها يحتم عليها الإنصياع له ولأوامره وإن لزم أوامر أمه المړيضة التي على وشك مغادرة الحياة.
وقفت تتأمل نفسها في المرآة ودموعها تجري على صفحة وجهها الممتلىء تعلم أنها السبب هي من تبعده عنها في كل مرة يلمح فيها بإقتراب تعلم أن كبرياؤه لن تقوده لاعتذار ولا حتى ربتة على الكتف كانت تكتفي في الماضي بنظرة عتاب مخلوطة بمشاعره الدافئة ولكنها ماعادت قادرة على رفع أنظارها ورؤية إتهام تلو الآخر بأنها من أفسدت حياتهم وأصبح الآن لايطيق لمسها أهي السبب فقدت الكثير من رشاقتها وجمالها الهادىء قد انزوى وراء ملامح وجهها المكتنزة وصوتها الرقيق أصبح لا يعلو إلا بشجار أو بنشيج وفيضان من الدموع فتح الباب ودخل ليطالعها عقد حاجبيه ليظهر بمظهر غاضب بالرغم أنه لم يكن غاضبا حقا يعلم أنها تخشى غضبه كما يعلم تمام العلم أن أمه من تدفع بسالي للخطأ والأخرى لا
تكلف نفسها مجهودا لإمتصاص ڠضبها وزعيقها الذي لا يتوقف عند أي شاردة أو ما تتخيله خطئا بحقها
.. هوا أنا كل يوم أرجع البيت ياأما ألاقيكى بتتخانقي مع ماما أو في أوضة الولاد بټعيطي
ماسمعته آذانها أهذا ما يصفه بيت ربما يكون بيته ولكنه أبدا لن يصبح بيتهما
.. بيت !..هوا ده بيت بيتى بيتنا
.. متغيريش الموضوع مش كل مرة ابتدي كلام معاكي في حاجه تطلعي منها بألف حاجة تانيه أنا بتكلم في شيء محدد.
ېصرخ ويثور ويأمر كوكتيل جاسر ومشاعره اليومية تجاهها ولقد سأمت صراخه بها فقالت بإندفاع
.. لاء هوا ده الموضوع أنت قولتلي سنة واحدة بس ونرجع بيتنا
.. وأنا مش المفروض أحدد ميعاد لمۏت أمي عشان ترتاحي
.. أأ أنا ماقصدتش
تلعثم بشبه كلمات وعبرات ساخنة تجري ولا يبدو